أكبر كتاب في العالم
أخبار لبنانمحليات

آب: من لا يتذكر ماضيه محكوم عليه بإعادته..!! / د. هشام الأعور .

المصدر:” الحوار المجتمعي “.

قد تكون آفة وطننا النسيان؛ لكنني أحسب أن أسوأ آفاته التناسي. والتناسي له درجات وأشكال متفاوتة، لكن نتيجته في المحصلة أن وطننا لم يتعلم درسه ولم يستفد من تجاربه المريرة باهظة الأثمان، وهؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته.
فعلى الرغم من نضالات اللبنانيين على مر الأزمنة من أجل وطن حر كريم، إلا أنه لم تتراكم في وعيهم الجمعي أو مناهجهم التاريخية ملامح واضحة لمعاني هذا النضال التاريخي؛ ولا وصلت إلى أجيالنا إلا صور مشوهة أو تصورات منكّهة عن أسبابها وعوامل فشلها.
هناك جدلية تسيطر على عقول اللبنانيين تتعلق بالماضي وتتمحور حوله.

يرى البعض أن حضور الماضي مهم لحياتنا، بل هو جزء من هذه الحياة، ولا تستقيم أو تنمو وتنجح دون أن يكون الماضي موجوداً، لأن في الماضي التجارب والخبرات، وفيه الفشل والنجاحات، وعندما تكون هذه حاضرة، فإنها دون شك ستكون دافعة نحو حاضر جميل ومستقبل واعد.
و يرى البعض الآخر أن الماضي يشبه القيد الذي يعيق الانطلاق نحو المستقبل، لأن الماضي يختلف عن الحاضر وبكل تأكيد مختلف تماماً عن المستقبل، وحجة أصحاب هذا الفريق أن ما يصلح في زمن وبيئة ما قد لا يناسب ولا يتفق مع زمن آخر وبيئة أخرى، وبالتالي التقنيات والمهارات تختلف ولا سبيل لإسقاطها أو الاستفادة منها بعد عقد أو عقدين من الزمن.
هذه الجدلية تجدها ماثلة عند مختلف المستويات الاجتماعية، لتصل إلى صفوف الطبقة المتنورة في المجتمع ، حيث يوجد تباين لديهم في النظرة للمستقبل، فمنهم من يتخذ من كلام الحكيم والفيلسوف “بوذا” حجة لرأيهم ، والذي يقول: “إن سر صحة العقل والجسد يكمن في ألا تبكي على الماضي وألا تقلق بشأن المستقبل وألا تتوقع المصائب، وإنما تعيش الوقت الحاضر بحكمة وبتعقل للأمور”. وهناك الكثير غيره ممن يدعون لتجاوز الماضي ونسيانه، خاصة الأوقات العصيبة والحزينة أو التجارب الفاشلة والاخفاقات.
وعلى الجانب الآخر، تجد لبنانيون يدعون إلى التوقف عند الماضي لدراسته والاستفادة منه وعدم تكرار الأخطاء رافعين شعار الفيلسوف وكاتب المقالات والشاعر والروائي الإسباني جورج سانتايانا، الذي قال: “هؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته”. وليس هو وحده من يرى في الماضي دروساً يجب التنبه لها حتى لا يتم تكرار الإخفاقات، أو كما قال حتى لا يقومون بالإعادة والوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى.
الحقيقة أنه لا يوجد سبب لكل هذا التباين ولا لهذا الاختلاف، وبالتالي لسنا أمام فريقين فريق يرفض وآخر يوافق،، بل نجد أن الماضي جزء من منظومة حياتنا لا يمكن تجاهله تحت أي سبب، بل هو مؤثر جداً في واقعنا المعيشي، وفي اللحظة نفسها لا يمكن الالتصاق به للدرجة التي تؤثر في حاضرنا ومستقبلنا، لننهل من الماضي التجارب والخبرات، وفي اللحظة نفسها ننطلق نحو المستقبل بأفكار جديدة وطروحات بناءة والخروج من عقدة ذلك الانسان المليء بالخوف من كل شيء، من السلطة الفاسدة، والمجتمع الرجعي ومن الأفكار البالية.
لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف طيب ونصف شرير، نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان، نصف مؤمن ونصف عاشق. دائماً في منتصف شيء ما، وعندما يأتي يوم الامتحان تنسى كل شيء وتقف في المكان السيئ مع الجلاد.
هناك عيون لا تنسى لحظة وقوع انفجار الرابع من آب 2020 في مرفأ بيروت والذي خلّف وراءه عشرات الضحايا وآلاف الجرحى والكثير من الألم والحزن والدمار.
فلتكن هذه الذكرى أكثر من مجرد رد فعل وتخليد لحادث تاريخي، وإنما تحويلها الى محطة تاريخية من عمر الوطن ضد كل من يحاول دفن بيروت تحت ركام الجوع والموت والفساد والفقر، فبيروت أم الشرائع المعتقة برائحة الخبز والشجر والياسمين ، بيروت قبلة البحر تأبى على نفسها ان تظل طعم نار ودخان .

ان انفجار 4 آب ورغم استهتار المسؤولين وتقصيرهم لن يمسح وجود الإنسان والحضارة والثقافة، فالإرث الثقافي والفني والحضاري سيبقى عبر الزمن رغم كل شيء. كما أن أدب جبران خليل جبران وأغاني فيروز،وصوت صباح ونصري شمس الدين وألحان وموسيقى الرحابنة، ونضال شعب لبنان أكبر من أي مسؤول أو حكومة.

سقطت الاهراءات الواحدة تلو الأخرى ولم نشهد على سقوط مسؤول واحد عن جريمة هزت ضمائر العالم. تقاذف الاتهامات بين المسؤولين عطّل التحقيقات وحوّل المساءلة والمحاسبة إلى جثة هامدة. أما المجلس الأعلى لمحاسبة الرؤساء والوزراء ليس أكثر من شاهد زور على عدالة مفقودة في وطن غالبا ما تكون واسطة السماء الملجأ الوحيد لحل مشكلات الأرض .

الحوار المجتمعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »