أكبر كتاب في العالم
المقالة الأسبوعيةخاص ليبا بيديافادي رياض سعد

“التعايش” و “العيش المشترك”!!! صيغة؟ أم شعار؟؟.

ليبا بيديا “فادي رياض سعد”

منذ أن أبصرنا النور ووعينا على هذه الحياة ونحن نسمع شعارات رنانة وجميلة، تغنّينا بها على مدى عقود، وتعاملنا معها على أنها صيغة وطنية ناجحة تحفظ السلم الأهلي ووحدة المجتمع، وواكبنا انهماك المشرّعين في إعداد  القوانين والتشريعات الهادفة إلى إنتاج صيَغ لتثبيت “التعايش والعيش المشترك” والتي يعتبرونها عقدا اجتماعيا وسياسيا بين المسلمين والمسيحيين يقضي بالمساواة في الحقوق والواجبات والمشاركة المتوازنة على كل الأصعدة.

وفي هذا السياق فإن كل ما صدر من تشريعات وقوانين وأساليب مبتكرة  لم تصل الى الأهداف المتوخاة لصون المجتمع اللبناني ووحدته الاجتماعية “الانسانية”، بسبب تعقيدات التركيبة اللبنانية، ولم تتعدى كونها “شعارات رنانة وجميلة بالشكل” واهية، فضفاضة وفارغة من المضمون، ولا تغني عن جوع،  وعوضاً من أن تعزز “العيش المشترك والتعايش” بين المكونات اللبنانية وتحصين المجتمع،  أدت بالممارسة والتطبيق على ارض الواقع إلى أمرٍ هو الأخطر، إذ أججت العصبيات وأثارت الغرائز الطائفية والمذهبية أكثراً وأكثر، لا بل أكثر من ذلك، فقد كانت سبباً رئيسياً في تفتيت وتمزّق المجتمع اللبناني وتقوقعه وتحويله الى دويلات طائفية ودينية وسياسية جعلت منه مجموعة من الجزر المنعزلة متعددة “البواصل” الثقافية، الدينية، الاجتماعية والسياسية،  تتقاطع في أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها السياسية، وأدّت الى تفشي الثقافة الفردية بدل الوجدان الاجتماعي، وانعدام الوعي لوحدة الهوية والوطن، وطغيان مفاهيم المصالح الفردية على المصلحة الوطنية.

بالاضافة الى ذلك، “النظرة الدونية” للطبقة السياسية تجاه الشعب المنهك من مماراساتهم، إذ ينظرون إليه كقطعان ورعايا وزبائن وأتباع…  متحكمين بمصيرهم وحياتهم ولقمة عيشهم، وهذه حالة يتحلل فيها مفهوم الوطن والدولة والوجدان الوطني، وتتبدد أحلام النهوض المجتمعي … وتحتل مكانها أحلام الهجرة والهروب واليأس من إمكانية التغيير، …  ولا شك أن تغاضي الشعب واستسلامه لهذه الممارسات ساهم في امعان السياسيين باساءاتهم واستخفافهم بعقول الناس.. وفي تحوير الحقائق وتزويرها.

وهنا لا يسعنا إلا أن نتطرق إلى تفسير صيغة “التعايش والعيش المشترك ” وتوضيح المعنى الحقيقي، فنرى فيها جنوح عن الحقيقة يقودنا الى خلاصة المعنى الحقيقي لهذا الشعار الذي يصح استخدامه بين الأضداد من المخلوقات والكائنات الحية، على سبيل المثال: بين  “طائر و هر” او “ذئب وحَمَل” أو بين “أنسان ووحش”،  وليس بين الانسان وأخيه الإنسان،. فالانسان هو الانسان مهما اختلفت الاثنيات والأعراق او الديانات ألخ… وأسلوب العيش بين البشر يخضع فقط للمنظومة الانسانية وحدها، ولا يحتاج الى صيَغ وقوانين وتشريعات، إنما المطلوب قوانين مدنية حصراً لوضع النظام العام وتنظيم امور الحياة اليومية على قاعدة المساواة بالإنسانية من خلال مؤسسات الدولة المدنية.

لذلك، فإن الشعب مطالب بوضع حد لممارسات السياسيين وإستخفافهم، وشطب الشعارات الرنانة من قاموسه، والعمل على ثقافة “الانسان والانسانية”، فنحن جميعنا بشر اولاً وأخيراً، والمسؤولية الكبرى، والمهمة الأسمى، هي تحرير الانسان، من الأنانيات الفردية والشخصنة وتعزيز ثقافة النظام والانتماء، وبناء الانسان بعيداً عن عصبيات الأيديولوجيا الطائفية وعن أي اعتبارات دينية، مذهبية، حزبية أو عرقية، والتركيز على مجتمع قائم على الثوابت الوطنية، والإنسانية المطلقة ” التي تمثّل “القاسم المشترك” بين جميع البشر.

فالدولة المدنية القائمة على المواطنة والانتماء للوطن، والمبنية على الأسس الإنساسية البحتة، هي وحدها القادرة على بناء الانسان، واحترام المواطن، يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون. عندها تصبح الكفاءة هي المعيار الأوحد للتعيينات، وتولي المسؤوليات والمهام في كافة المواقع السياسية، الإقتصادية، المالية، التربوية……، ومن هو الأجدر والأكفأ يصل الى الموقع المناسب، وتنتفي الحاجة الى “طبخة بحص” لن تنضج إبداً…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »