
الخطاب المنحدر: .. تقويض لبناء الدولة… “وإيقاظ وحشٌ الحقد الدفين لتفتيت النسيج الاجتماعي”
كان من أوائل من أسس للفصل بين السياسة والأخلاق؛ المفكّر الإيطالي نيكولوس ميكافيللي في كتابه "الأمير" الذي ألّفه عام 1513م ولم ينشر إلّا عام 1532م، بعد وفاته، هذا الكتاب الذي يعتبر اليوم "الكتاب المقدّس" للعمل "السياسي، الإعلامي، والإجتماعي" في المنظومة الحالية. وهو صاحب العبارة الأشهر والأكثر تداولا في عالم السّياسة اليوم "الغاية تبرّر الوسيلة"، وإليه تنسب النّظريّة الميكافيلية التي تؤسّس للفصل بين السياسة والأخلاق.
جملة قواعد تصلح لوصف الخطاب “السياسي، الإعلامي، والإجتماعي” المنحدر السائد حالياً، القاعدة الأولى: هي الحقد الطائفي الدفين، الثانية: تفلّت ” المختلفين ” من أبسط قواعد الآداب والأخلاق واللياقات، والثالثة: القفز فوق القوانين وhلقيم والأعراف، واللجوء الى القناعات الشخصية الخاطئة، مما يجعل خطابهم على هذه الصورة المنحدرة على المستوى الوطني والإجتماعي و الشخصي.
والخطاب أو التخاطب!..، هو شكل من أشكال الخطب المتعددة، يستخدم من قبل فرد أو جماعة أو حزب أو مؤسسة، إلخ …..، بهدف الحصول على غاية أو سلطة معينة عند حدوث صراع أو خلاف، وله أهمية كبيرة تعود على الجهة المستخدمة له، وتكمن أهميته في أنه أداة ضرورية لاكتساب السلطة، ويتم اللجوء له من قبل القوى المختلفة، من أجل الوصول إلى المراكز العليا في السلطة، وكسب المشروعية على المحاولات التي تقوم بها الجهة المعنية.
ويطغي هذا الخطاب بلونه الناري الصارخ.. “المفبرك”. إما عن حسن نيّة مخنوقة بالجهل، أو عن سوء نيّة وخبث تفرضهما مصالح أشخاص وفئات ومؤسسات في الغالب!.. ولا بد من أن نعترف بأن اللغة والإيديولوجيا المعتمدتين عبر الخطاب المتداول حالياً في مجتمعنا لهما الأثر السلبي على الوضع “السياسي، الإعلامي، والإجتماعي والشخصي” ، ومن هنا تكمن خطورتهما. ففي ظل الاقتصاديات الريعية، كما هي حال اقتصادنا، تؤدي عناصر اللغة والإيديولوجيا والدين وظيفة البنية التحتية، المحرِّكة للبنى الأخرى بما فيها الاقتصاد، لا سيما في أوقات الأزمات والصراعات.
وتتصف لغة الخطابة والتعامل، “بالمبالغة”.. وتجترح تعبيرات “ذات رنين انفعالي عالٍ”، فتُحدث أكثر من فجوة بين الدال والمدلول، وبين المفهوم والواقع، وبين المرسل والمرسل إليه. وهذا هو الأمر الأخطر الذي يتوارثه الناشطون في الشأن العام والمتكلمون بها، بعبارات موجّهة لأغراض المدح أو الذم من جهة. ومن لغة الخطاب الإيديولوجي لشرائح المجتمع التي سادت الساحة السياسية اللبنانية والعربية خلال عقود القرن الماضي من جهة ثانية.
ولا ننسى بطبيعة الحال لغة الخطاب الديني ذات الثقل التعبوي التي لُقِّحت بها لغة السياسة والمجتمع لا سيما خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. وهي التي تعطي بعداً دينياً مذهبياً للخطاب السياسي الذي يتحول، عندئذ، لا إلى ترجمة لواقع فعلي، وإنما ليكون أداة مصطنعة تؤسس لأزمات وصراعات.
لست أدعو، قطعاً، إلى أن تكون لغة السياسة لغة شعر وأدب، مفعمة بالرومانسية، والإيقاع، بل أن تكتسب بلاغتها الخاصة.. أن تكون موحية، دالة، متجذرة في الواقع، متصالحة مع الحياة والجمال والمنطق والعقل.. لغة مثقفة، مشذّبة، تلفت الانتباه، وتؤثر في العقول، وتشحذ الوعي.
فادي رياض سعد