
كتاب وآراء
الفكر النسوي العربي إلى أين؟
المصدر: “النهار العربي – ليليان قربان عقل”
بمناسبة يوم المرأة العالمي نسأل ونتساءل هل من إستراتيجية فكرية واضحة وموحّدة للمرأة العربية لمواكبة تطوّر العصر وتحدّياته؟
وماذا حقّقت في نضالها الفكري للتحرّر من قيود الجهل والتبعية؟
تتكئ المرأة العربية في فكرها على قلم إجتهد وناضل ليتألّق مع الحركات الفكرية المعاصرة بالرغم من كل الأحكام المسبقة التي أُطلقت حولها وإعتبرتها غير قادرة على طرح رؤى فلسفية في كتاباتها والتي إعتبرها الرجل في خانة الترف اللغوي ونظر إليها على أنّها لغّة مشاعر فضفاضة أقرب إلى الهواية منها إلى الإلتزام…
فغالباً ما يتراءى أمامنا مشهد امرأة عربية تتحايل للوصول والحصول على حقوق ضائعة لها بين ملفات ومؤتمرات وتوصيات وقرارات…
وهنا نتوقف لنسأل ونتساءل لماذا كتبت المرأة ولماذا فكّرت وكيف؟
هل حملت قلماً عبّرت فيه عن ذاتها ضمن الإطار الاجتماعي والثقافي والديني الذي وضعه لها الرجل على مقاسٍ يتناسب مع سلطته الذكورية، أم أنها استخدمت اللغة خشبة خلاص ووسيلة للتحرّر من تبعية الظل المقيّد بالمعتقدات وما أفرزته من قيود ثقافية تغلّفت بعباءة التقاليد والعادات والموروثات.
هل حاولت في كتاباتها أن تبني لها رصيداً فكرياً يرتكز على تراثٍ أدبيِّ إصلاحي تفتّح مع النهضة الفكرية العامة في القرن التاسع عشر وما رافقها من تحولات متقدّمة حصّنت الفكر النسوي بانطلاقة مميزة؟
لماذا كتبت المرأة وهل تعاطت مع الأدب والصحافة بمسؤولية زوّدتها بفكرٍ نهضوي متحرر من التيارات المرجعية التقليدية؟
ماذا كتبت المرأة في مسيرتها النهضوية؟ هل كسّرت قيود الجهل الذي حدّد أطر فكرها ومحرماته؟ وهل التزمت بالعنوان وغاصت به إلى ما بعده في عمق فلسفي يحضّر لثورة فكرية تكون المرأة اللاعب الأساسي فيها من منطلق عقلاني وليس من منظارٍ جندري. هل ثمّة محرّماتٍ على ما تكتبه المرأة؟ وما هي حدود جدران كلماتها وأبعادها وآفاقها المنظورة؟
ثم كيف يمكن أن تكسر المرأة في كتاباتها تلك الصورة النمطية التي اعتادت عليها لتصبح جزءاً من هويّتها الأنثوية؟ وإلى أي مدى قد يرتفع منسوب الحرية في كتاباتها أو ينخفض ووفقاً لأيّة معايير إجتماعية وثقافية؟
فكّرت المرأة وكتبت وكُبتت وسُجّنت فلمعت في سماء الإبداع والوجدانيات، هل خاضت بذلك معركة يومية للتعبير عن مكنونات ذاتها للخروج من سلطة الرجل؟ أم أنها ناضلت في سبيل إثبات قدراتها الإبداعية والفكرية للنهوض بالمجتمعات وتحرّرها… أم أن المرأة في كتاباتها شعرت كأنها تدخل حرماً مخصّصاً للرجال كما كتبت مي زيادة إلى باحثة البادية: “نحن في حاجة إلى نساء تتجلّى منهنّ عبقرية الرجل”.
هل حملت المرأة بكتاباتها قضاياها، هل كتبت من أجل إصلاح وضعها القانوني والإجتماعي ونيلها حقوقها كاملةً؟ هل وعت لدورها الريادي الإجتماعي والسياسي وأضاءت عليه، هل كتبت للمرأة القابعة أم لتلك المرأة الثائرة؟
هل لا يزال هذا ينطبق على الفكر النسوي العربي اليوم؟ وإلى أي مدى يمكن الحديث عن فكر نسوي عربي خالص لا يزال يخاطب فكر المرأة دون أن يتعارض مع أنوثتها كما يعتقد البعض. ويطرح قضايا المرأة بعمق الباحث الذي يتخطّى القيود الثقافية والإجتماعية بإرتداداتها الجندرية الضيقة المقيّدة للإبداع…
في طرحنا لإشكالية الفكر النسوي العربي الى أين، نستعيد في الذاكرة قرناً كاملاً من الدعوات المستمرة الى تحرير المرأة العربية وما تضمنه ذلك من إشباع لخطابها في مختلف المجالات الفكرية، الفلسفية والأدبية من خلال طروحات ثقافية حملت هموما نسوية بأبعادها السياسية والاجتماعية والتحرّرية.
وإذا كان الفكر النسوي العربي حاول تغيير واقع المرأة العربية متحايلاً على العادات والتقاليد، في سبيل تحقيق المساواة في الحقوق كأولوية لنهضة المجتمعات العربية وتقدمها، فأنه لم يأت على قدر الآمال والطموحات وبقي الفكر النسوي العربي يتخبّط في موروثاته ولم يصل إلى الغاية المرجوّة في كسر القيود الجندرية.
في أفق الفكر النسوي وعود ورهانات وآمال وسعي دائم إلى أن يصبح خطاب المرأة ليس خطاباً مطلبيّاً فقط بل خطاب قضيّة يعكس حركة المرأة المؤثّرة وليس وضعيّة المرأة المتلقية والخاضعة… حاولت المرأة العربية في كتاباتها كسر القيود الفكرية الموروثة التي أعاقت تقدّمها أو أخّرته، خاضت معارك يومية في سبيل إحداث تغييرات في المفاهيم بأبعادها الثقافية والإجتماعية، إصطدمت بمعوّقات نمطية دينية وسياسية وقانونية كسرت البعض وكسرها الآخر وإستمرّت وستستمر لكن وفق أية إستراتيجية؟ هل حدّدت مكامن قوّتها وأهدافها؟ هل وضغت خطة فكرية نهضوية لتطوير معارفها بما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتها وينسجم مع التحوّلات العالمية ومستجدات الحداثة؟
إنّ التحدي الذي يواجهه الفكر النسوي العربي اليوم هو في قدرته على الإنطلاق من أطر فكرية نهضويّة متينة منبعثة من معاناة وتجارب وخبرات امرأة ناضلت فكتبت وصرخت في سبيل تمكينها لترتقي الى دورها الريادي في نهضة المجتمع وتطوّره…
هل يقدر الفكر العربي النسوي الواعد مستقبليًّا أن يجمع ما مزّقته السياسات وأن يؤسّس لخطاب قومي ووطني وإنساني؟