
المختارة: “بلدة تاريخية وفصل من تاريخ لبنان الحديث”
المختارة / 56 كلم من بيروت
موقع جميل
تقع بلدة “المختارة” على بعد نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من “بيت الدين” تحتضنها الجبال من كل صوب وتتميز بخضرتها صيفاً وشتاءً، ويمكنك الوصول إليها من خلال شبكة من الطرق تصلها بكافة المناطق اللبنانية، من بيت الدين وبعقلين، من جزين وباتر، وغيرها من الطرق، تسهل الوصول إلى البلدة.
بلدة تاريخية وفصل من تاريخ لبنان الحديث
“المختارة” بلدة لبنانية تاريخية وعريقة، يعود تاريخها إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وقد كانت منذ القرن السابع عشر مقرّ أسرة جنبلاط الدرزية، وتحتوي هذه البلدة عدداً من الدارات والقصور التي تعتمد الطراز المعماري اللبناني التقليدي، ومن أبرزها قصر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يعود في شكله الحالي إلى أواسط القرن التاسع عشر، وتظهر فيه التأثيرات الفنية الشرقية والإيطالية. وقد أقيم هذا القصر على بنية أقدم عهداً تعود إلى القرن السابع عشر ثم تهدمت عام 1825 في أثناء الصراعات والمواجهات التي حصلت بين المشايخ الجنبلاطيين والأمير بشير الشهابي الثاني.
ويمتاز القصر بشرفاته وواجهاته الزجاجية الملونة ودرابزيناته الحديدية ونوافذه ذات الأعمدة الرخامية والأقواس المشوشرة، وتشكل جميع هذه العناصر نموذجاً من تزاوج التأثيرات المعمارية المشرقية بالتأثيرات المعمارية الإيطالية كما كان شائعاً في القرن التاسع عشر. كما يوجد في البلدة عدد من الكنائس القديمة، وتم اكتشاف مجموعة كبيرة من النواويس والتماثيل وغيرها من الآثارات التي يعود تاريخها إلى العصور الرومانية.
ومن الطرائف التي أخبرنا بها أحد أبناء البلدة عن قصر آل جنبلاط ، أنهم كانو يستخدمون آلة تعمل يدوياً تشبه (التلفريك) لنقل حاجياتهم من القصر إلى الخلوة الكائنة في منطقة (ضهر شكارة) بطمة، وذلك منذ القرن السابع عشر.
وما يميز هذه البلدة اهتمامها بالشأن البيئي، بحيث تعتبر من أهم البلدات اللبنانية المحافظة على البيئة، ويعود الفضل بهذا إلى الوزير وليد جنبلاط نظراً لإهتمامه البالغ في البيئة ليس في المختارة وحسب، بل على صعيد لبنان والعالم، وتتميز المختارة بشبكة مياه مكشوفة تستخدم للري وتعتبر الأفضل في لبنان، وهي من البلدات اللبنانية التي وصلتها المياه الى منازلها منذ القرن السابع عشر أيام الشيخ بشير جنبلاط، الذي قام بجر المياه من نبع الباروك إلى المختارة، ومن أولى البلدات التي وصلتها الكهرباء إلى منازلها.
واشتهرت المختارة وضواحيها بالانتاج الزراعي مثل الزيتون، وكثرت فيها المعاصر والمطاحن، ولا زال قسم كبير منها يعمل حتى اليوم.
سميت بهذا الاسم بسبب اختيار الموقع من قبل الشيخ علي رباح جنبلاط في القرن السابع عشر لبناء قصره على انقاض قلعة رومانية كانت هناك. تتبع بلدة المختارة لمحافظة جبل لبنان، قضاء الشوف. تبعد عن العاصمة بيروت حوالي 56 كيلومترًا ويصل ارتفاعها عن سطح البحر الى حدود 850 متر ًا. يحدها من مختلف الجهات بلدات الخريبة، بطمه، عين قنا، المزرعة، الكحلونية والجديدة. ويمكن ان تصل اليها عبر طريق الشوف الرئيسية وصوًلا الى بيت الدين ومنها الى بعقلين، بقعاتا فالمختارة.
بشريا وتنظيميا
لا يتعدى عدد سكان المختارة الثلاثة الاف نسمة، يتناصفون طائفيا بين الدروز والمسيحيين فيما يبلغ عدد ناخبيها حوالي 1200 ناخب حسب لوائح الشطب. ومثلها مثل اي بلدة لبنانية تعاني المختارة من الهجرة والنزوح، اذ لا تتجاوز اعداد القاطنين في البلدة شتاء ًا ال 300 نسمة وذلك بسبب نزوح نسبة كبيرة من اهلها الى بيروت بحث ً ا عن فرص العمل ولتوفر الخدمات، وتتخذ اكثر من 35 عائلة من بلدة بقعاتا المجاورة مقرًا للسكن وذلك لعجزهم عن بناء منازل في بلدتهم نتيجة التمسك الشديد لملاك الاراضي بأرضهم ورفضهم لفكرة بيع العقارات. واضافة الى النزوح، عرف الكثير من شباب المختارة طريقهم الى الاغتراب نحو دول الخليج العربي، اوروبا وامريكا الشمالية والجنوبية. وغالب ً ا ما يشكل هؤلاء مصدرًا لعيش عوائلهم، ومن اكبر العائلات الدرزية في المختارة، قانصوه، رابيه، ريدان، عابد، حصن الدين وجنبلاط. اما العائلات المسيحية فتتوزع على العشي، ربعمد، سمعان، سركيس، مرهج، طعمة، نصرالله وخوري . من الناحية التنظيمية فللمختارة مجلس بلدي مؤلف من تسعة اعضاء بين دروز ومسيحيين انتخب في الانتخابات الاختيارية والبلدية في العام 2004 برئاسة الاستاذ روجيه العشي، كما يتابع مختار البلدة الشيخ خالد حصن الدين امور الاهالي الادارية. وتنقسم البلدة من حيث الاحياء الى الشارع العام، شارع الكنيسة والياسمين.
سبل المعيشة
يعتمد الكثير من سكان المختارة على الموسم السياحي بشكل اساسي كمورد هام للعيش بحيث تصبح بلدتهم مقصد ًا للآلاف من السياح العرب وتحديد ًا الخليجيين، وذلك للمناظر الطبيعية الخلابة والفريدة من نوعها. فبالاضافة الى انتشار المغاور الطبيعة والمعالم التراثية والاثرية وتستفيد البلدة من طبيعتها الحرجية وصفاء ونقاء مناخها وجوها لجذب السواح. يشكل وادي الماء ومنحدرات المياه المتساقطة من اعالي الباروك جو ًا ملائم ً ا لجذب السياح، ولهذا السبب عمد الكثير من سكان المختارة الى فتح المتاجر وانشاء المطاعم والاستراحات السياحية على ان اشهرها، نبع مرشد، الذي يستقبل الالاف من السياح يوميا ويمكنه ان يحتضن بأرجاء ه اكثر من 500 شخص دفعة واحدة
على أنقاض قلعة رومانية في بلدة المختارة الشوفية شيد علي جنبلاط قصر المختارة في عام 1712 ومنذ ذلك التاريخ تحوّلت البلدة الشوفية الصغيرة إلى واحدة من مواقع القرار في تاريخ لبنان.
ففي مرحلة كان الشيخ بشير جنبلاط الحاكم الثاني للجبل بعد الأمير بشير الشهابي، وظل في ايام السلطنة العثمانية أحد صانعي الموقف اللبناني، أظهر شجاعة ووطنية في تصديه لهجمات انكشارية الجزار، وعندما انتصر عليهم أطلق عليه لقب “الزعيم الأوحد”. ثم اخذت الألقاب تتوالى عليه، فمن لقب شيخ المشايخ إلى لقب عامود السماء إلى مازاران عصره – نسبة إلى أحد كبار السياسيين الفرنسيين؟
في عهده هاجم نابليون مدينة عكا وحاول يائسا الاستيلاء عليها، وعندما استنجد بالشيخ الجنبلاطي، رفض هذا تقديم العون له، وعندما علم الأميرال سميث قائد الأسطول الانجليزي بالأمر ابدى رغبة في التعرف على الشيخ الجنبلاطي.
وقد استطاعت الليدي ستنهول أقناع الأميرال سميث بزيارة قصر المختارة احتراما لمكانة الشيخ بشير من جهة وللطائفة التي يمثل من جهة ثانية. غذ كانت هذه الأميرة البريطانية على معرفة تامة بقوة العائلات الجنبلاطية، ومدى تأثيرها على سياسة الجبل، لذلك تجشّمت المشاق، ورافقت الأميرال إلى قصر المختارة. وقد احدث ظهورها بلباس الرجال “ثورة شعبية” هائلة لدى الجموع المحتشدة التي لم تر في حياتها امرأة ترتدي زي الرجال، وتعتلي صهوة حصان، وقد نجحت الأميرة في القيام بدور المترجم وفي التأسيس لعلاقة خاصة بين الدروز والبريطانيين، الذين اكتشفوا مفاتيح الجبل الحقيقية.
وعندما وقع الخلاف في الجبل بين الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط تطوع أحد كبار رجال الدين الكاثوليك لإعادة الوئام بين الصديقين القديمين. لكن الأمور تطورت إلى معركة طاحنة بين انصار البشيريْن وسقط قصر المختارة بيد اتباع الأمير الشهابي فصادر موجوداته ثم هدمه وهدم القرية بأسرها وجعلها قاعا صفصفا، كما هدم الجامع الذي بناه الشيخ الجنبلاطي ولم تسلم قصور الجنبلاطيين في بعذران وعين قني من التهديم.
وعندما قُسّم لبنان إلى قائمقاميتين ، استعادت المختارة موقعها وأعيد بناء القصر الجنبلاطي من جديد لكن عودة الزعامة إلى بيت جنبلاط تأخرت ويؤثر عن البيت الجنبلاطي أنه لم يساهم في احداث 1860 الطائفية وأن سعيد جنبلاط وفر الحماية للمسيحيين داخل قصر المختارة وظل يدعو للوئام والسلام.
وفي مرحلة ثانية اتخذت الست نظيرة جنبلاط والدة الشهيد كمال جنبلاط من قصر المختارة مقرا لها، وحملت الانتداب الفرنسي على الاعتراف بزعامتها للبيت الجنبلاطي إثر اغتيال زوجها والعودة إليها كلما فكر الحاكم الفرنسي باتخاذ قرارات تخصّ جبل لبنان او الطائفة الدرزية
وعلى بعد نحو كيلومتر واحد من المختارة يقع منتزه “نبع مرشد” وهو موقع ممتع تنتشر فيه الشلالات وأحواض الماء والمطاعم، ويصده السياح في أيام الحر الشديد لطراوة هواؤه.