أكبر كتاب في العالم
المقالة الأسبوعيةخاص ليبا بيديافادي رياض سعد

المغتربون: “خشبة خلاص لبنان وطوق نجاته”

لم تكن هجرة اللبنانيين الاوائل رحلة مفروشة بالورود والياسمين، فقد عانوا الكثير قبل ان يثبّتوا أقدامهم في بلدان الانتشار، فضلا عن أن وجودهم الحالي يلاقي الكثير من الصعوبات والمعاناة في بعض البلدان. فالانسلاخ عن الوطن بحد ذاته ليس أمرا سهلا، وهو بالتالي لم يأت نتيجة ترف من المهاجرين بل بفعل أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية صعبة.

واجه المغتربون الاوائل اللصوص وقطّاع الطرق، ولم تكن في ذاك الزمن  الرحلة الى اوستراليا وأميركا سهلة، فقد كانت طويلة، صعبة وشاقة،  فمن يسعفه الحظ في الوصول بعد رحلة تستمر ستة أشهر، ينتظره على الشاطئ حجرٌ في مركز صحي لمدة أربعين يوما، فإن نجا يدخل البلاد ويعاني الأمرين لكي يبدأ عملا يجني فيه قوت يومه.

ومع تطور  وسائل السفر باتت الأمور أكثر راحة، لكن المعاناة لم تتوقف في بلدان الاغتراب. فقد عانى المغتربون من صراعات سياسية في بلدان الانتشار لا علاقة لهم بها، لكنها كانت تنعكس عليهم وعلى مورد رزقهم، وشهد القرن العشرون الكثير من الثورات والانقلابات العسكرية في العديد من البلدان، كان بعضها يدمر أعمال المغتربين فيُضطرون من جديد للبدء من الصفر.

ومعاناتهم الممزوجة بالألم والأمل والحلم بالعودة إلى وطنهم الأم، شكّلت لهم الحافز الأكبر للنجاحات، ومن رحم المعاناة حقّقوا إنجازات كبيرة في العالم نَدَر مثيلُها، وحملوا لبنان رسالة حب وعطاء وسلام، في الدول التي يقيمون فيها، وعملوا في مواقع عدة، وحملوا الأمانة بمهنية عالية مشهودٌ لها، في كلّ القطاعات، لتُستثمر بنجاحات كبيرة في قطاعات إقتصادية حيوية.

وبالرغم من غيابهم الطويل عن وطنهم الأم، لم يغب الهمّ اللبناني بكل مضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن أذهانهم لحظة، فهم مرتبطون بجذورهم اللبنانية، ولم يتوانوا لحظة عن مساندة وطنهم في كل الظروف، فقد شكّلوا على مدى عقود ويشكلون العصب الرئيسي للإقتصاد اللبناني ، بطريقة مباشرة عبر الاستثمارات في كافة القطاعات الإقتصادية، وغير مباشرة عبر التحويلات الى أهلهم وأقاربهم، بالاضافة الى التقديمات العينية والمالية من خلال الهيئات المعنية والجمعيات للوقوف الى جانب اهلهم واخوانهم في الملمّات والمحن.

وللاغتراب اللبناني بصماته في العالم اجمع، فاعمال المغتربين وسيَرَهُم كُتبت وتُكتب بأحرف من نور وتُنقش نقشا وجدانيا فلسفيا على جدار الذاكرة اللبنانية. فهم من ساهم في صياغة الحرف وتعميمه، وإرساء مباديء التجارة وتبادل السلع، كما ساهموا في سنّ الشرائع والقوانين التي نظمت العلاقة بين الشعوب. ويشكلون في الإغتراب، فعاليات مؤثّرة في كل القطاعات الإقتصادية، المالية، الإعلامية، والفنية، فتجدهم، رجال أعمال، صحافيّين، فنّانين، كادرات إداريّة وإنتاجيّة وفنيّة، وهيئات طبيّة وتعليميّة…، وحقّقوا إنجازات كبيرة في العالم.

وحلم العودة للوطن يراودهم في كل لحظة.. ولكن إلى أي وطن؟ وطن الفساد أم وطن الطوائف الدينية والسياسية؟ أم وطن الجزر المنعزلة ثقافياً، دينياً، إجتماعياً وسياسياً؟ أم وطن الساسة الأسياد”، والحكم الاستبدادي” وإخضاع الشعب بقوة السيف والإكراه؟ ام وطن نهب أموال المودعين وتبخّر جنى العمر؟…

والمغتربون اللبنانيون يشكّلون عددياً ثلاثة اضعاف اللبنانيين المقيمين، فمن حقهم المكرّس في الدستور الإنخراط في الحياة السياسية، ومن واجبهم أيضاً المشاركة الفعلية في بناء الوطن الذي يطمحون اليه، وطن العدالة والمساواة، وطن المؤسسات، وطن فصل السلطات، وطن المعرفة والمجتمع المحصّن، والمشاركة أيضا في العملية الديمقراطية لإنتاج سلطة جديدة نابعة من ارادة الناس عبر الصناديق الانتخابية وفقاً للدستور ونصوصه التي تحكم مسار الأمور والقضايا الوطنية والمصيرية، من أجل الولوج إلى دولة قادرة، دولة مدنية حديثة بمؤسساتها، ضامنة لحرية الشعب وحقوقه ورعاية مصالحه وتأمين عيشه الكريم.

مما يتطلب تركيزاً كبيراً على توطيد “العلاقة والروابط” بين “لبنان المقيم ولبنان المغترب” والذهاب نحو نموذج عصري يربط جميع المجالس الوطنية المحلية والاغترابية، والمجالس القارية وروابط الإغتراب اللبناني في العالم من اجل خلق فرص جديدة لتبادل الأفكار وطرح المشاريع الإنقاذية ومناقشتها، والعمل بجهد على وضع الخطط الوطنية الشّاملة وإعداد مشروع متكامل لبناء دولة نطمح اليها جميعاً يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات، والاستعانة بالكفاءات الحقيقيّة العالية المتخصّصة والمتميّزة بعلمها وخبرتها العملية وإخلاصها ومعرفتها بالواقع، وبالتالي إفساح المجال للطاقات الإغترابية التي أغنت العالم بأسره وأداء دورها في بناء الدولة.

وإذ يبدو أن مشروع بناء الدولة الحديثة يبقى بعيد المنال، ما لم يتشارك فيه كل الشعب اللبناني “المقيم والمغترب”… ، فلولا المغتربين لما استطاع لبنان الصمود في وجه الحروب والأزمات التي واجهته وتواجهه، وفي هذا السيّاق فإن أي تسوية أو صفقة تعمل على تغيّيب الدور  الإغترابي لن ترى النور، حيث أن الإغتراب اللبناني بمجالسه وهيئاته المحلية والإغترابية في المرصاد لأية محاولة تهدف إلى تغييب دوره مهما كانت الظروف، فقد علت اصوات الإغتراب من خلال مجالس الأعمال في العالم وحذرت من تثبيت الدائرة 16 وتطيير اقتراع المغتربين على 128 مقعد، ورفضت أي تمويل او أي دعم، للسفارات والعملية الانتخابية للإغتراب، وتستعد للتصعيد والمواجهة ما لم تقدم الدولة اللبنانية الضمانات والتسهيلات المطلوبة لتعزيز الدور الإغترابي عبر مؤسساتها والوزارات المعنية.

والمغتربون بامكاناتهم الاقتصادية وعلاقاتهم وطاقاتهم البشرية هم الأقدر على المساهمة الفعلية في دعم مشروع بناء الدولة، لأنهم  حقاّ

“خشبة خلاص لبنان وطوق نجاته” لإنتشاله من وسط ركام الانهيار الذي يعاني منه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »