
بحضور رسمي عراقي ولبناني…عدرا يسلم العراق رسميا 337 قطعة أثرية… (فيديو وصور)
وقال رئيس متحف “نابو” جواد عدرا في مستهل كلمته:
نلتقي اليوم برعاية وحضور معالي وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وبحضور سعادة سفير جمهورية العراق الاستاذ حيدر البرّاك وممثلين عن جمهورية العراق ومعالي وزير الثقافة والسياحة والآثار في جمهورية العراق الدكتور حسن ناظم لتقديم 331 رُقماً مسمارياً إلى متحف بغداد. أشكر معالي وزير الثقافة وسعادة سفير جمهورية العراق. لقد أخذ هذا المسار وقتاً ولكن أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً. هذا العمل هو من ضمن جهود متحف نابو لتحقيق الغاية من تأسيسه ألا وهي الحفاظ على تراث بلاد الشام وبلاد الرافدين وإحياء حضاراتهم فتعيشها أجيالنا وتفهمها وتعشقها.
والشكر الكبير الى السيد رئيس مجلس الوزراء في العراق مصطفى الكاظمي الذي لولاه لما وصلنا إلى هنا وإلى اللواء ضيا عبد العزيز سعد الموسوي واللواء عباس إبراهيم لجهودهما ولعملهما الدؤوب. كما أود الاشارة أن الحفاظ على تراثنا الثقافي يجب أن يتم أولاً وقبل كل شيء، من قبل الناس لأنهم وأحفادهم هم المالك الحقيقي وليس الدولة، ويجب أن يعتقد الناس أن هذا جزء من كيانهم وشرفهم ومقدسات الأسلاف.
وهنا أستشهد بما كتبه لي الصديق جورج يعقوب:
“هذا يذكرني بلقاء منذ سنوات عديدة في ليبيا. كان مجمعنا السكني على بعد 5 كيلومترات من بلدة ساحلية تسمى تولمايثا (Ptolemia) فيها إطلالات يونانية قديمة كنت أزورها كثيرًا.
إني أشعر بالقلق على بلدي لكن ما فعلته وفعله متحف نابو اليوم أطلق مخيلتي وفتح نافذة أمل…
جاء راعٍ إلى الموقع ورآني أنظر. هرع إلي وصرخ ماذا تفعل؟ قلت إنني أبحث فقط. انتظر قليلاً وقال: أنت أخ، من أين أنت؟ أجبته بيروت.
قال: “أرجوك لا تزعج هذه الحجارة والطوب المكسور لأن روح أجدادي تكمن في كل حبة رمل صنعت منها”.
قلت: “لن أفعل ذلك أبدًا”.
أخذ من حقيبته كتاباً صغيراً قبّله ثم قال: “اقسم بالقرآن أن لا تزعج النفوس التي تنام في هذه الرقائق الطينية أو أي شيء قديم”. ثم أضاف: “إنني أعتقد أن جزءًا من روحي موجود هنا وقد تم تمريره لي لأحافظ عليه حتى يحين وقتي لأمرره لأولادي”.
يجب تدريس هذا الإيمان العفوي والعميق بتراثنا في مدارسنا. كما أشار الراعي الليبي في طولمايثة، فإن جميع الآثار، بغض النظر عن حجمها أو قيمتها، لها قيمة خاصة جدًا لأنها تجسد جزءًا مهمًا من استمراريتنا كأشخاص ولوجداننا الوطني الجماعي ولهويتنا الثقافية. لسنا أصحابها لنتصرف بها كما نرغب، بل أمناء وأوصياء عليها. يجب أن نترك ما ورثناه للأجيال القادمة على أمل أن يتعلموا كيفية الحفاظ عليه واستخدامه بشكل أفضل مما فعل جيلنا.
إن الجامعين للآثار والأعمال الفنية ينقسمون إلى فئتين: فئة المكنزين (هم للأسف الغالبية الذين يحركهم الجشع والتمركز حول الذات والربح)، وفئة الجامعين الحقيقيين (ليسوا أكثر من حفنة في العالم العربي) الذين ينصب اهتمامهم الأساسي على الحفاظ ودراسة وفهم المعنى الحقيقي لتراثهم والأهم من ذلك مشاركة مجموعاتهم الفنية مع المجتمع ككل. يجب أن نعلّم الأطفال في المدرسة، أن ليس كل شيء عابرًا وسيختفي مع مالكه.
لقد إستغرقت عملية الحفاظ وترجمة هذه الرُقم وإعدادها للنشر في كتاب نحو 14 عاماً نأمل، أن ننشره سوية. مع وزارة السياحة والثقافة والآثار في العراق الشقيق وذلك بعد تدقيقه وتصحيحه.
هذه الرُقم “حفظت بطريقة قياسية”، وفق ما قاله الفريق الفني العراقي.
يقول جبران خليل جبران: “لا قيمة لما تعطيه إن لم يكن من قلبك” وهي من القلب إلى القلب”.
نأمل أن نكوّن نحن من هذه البلاد الإرادة، سواء عبر مبادرات كتشييد متحف مثل نابو، أو عبر جمعية كجمعيتنا التي عملت نحو 25 عاماً بتمويل ذاتي وبهدوء وتواضع لحفظ وإحياء تراثنا، وأن نقول للذات وللخارج: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
آن الآوان أن نشهد قريباً آثار لبنان معروضة في بغداد وآثار العراق معروضة في بيروت ومتحف نابو. هذا، على أمل أن يتبلور التصور النهائي لوثيقة التعاون مع وزارة الاثار والثقافة والسياحة في العراق.
أما بالنسبة للحملة التي طاولتنا وطاولت نابو فإني أكرر ما قلته في حفل تقديم خمس قطع تدمرية إلى متحف دمشق. فإنّنا نأمل أن تغسل أمطار هذا الشهر تلك النفوس السوداء، وليس في قلوبنا ونفوسنا إلاّ المحبة حتى لمن أساء إلينا. ما نحتاجه هو أن يفعل المدعّين الحرص على حفظ التراث، عرب وأجانب، ما فعلناه اليوم وليس مجرد خطابات الوعظ والحقد والحسد.
سنستمر بنشر الأمل ونقاط الضوء في لبنان ومن لبنان إلى المنطقة، رغم ليل لبنان الطويل.
وقال سفير العراق في لبنان حيدر البراك خلال كلمته:
“اليوم نحتفل باستلام ٣٣٧ قطعة، من حقب زمنية مختلفة من حضارة بلاد الرافدين، وهذه العملية لن تكون الأولى ولن تكون الأخيرة نحن عازمون مع إدارة متحف نابو على المزيد من التعاون في المستقبل، تعاون ثقافي وحضاري وأخوي بين وزارة الثقافة ومتحف نابو والجهات العراقية المعنية”، وشدد أن “الموضوع جرى بشكل ودي وانتهى اليوم عبر تسوية سلمية ورضائية”.
وأكد أن “كل الجهات ابتعدت منذ البداية عن أي توتر أو تشنج أو اللجوء إلى القضاء، وبحكمة جميع الجهات تحققت التسوية السلمية”.
وقال وزير الثقافة اللبناني محمد المرتضى: “باسمي وباسم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وباسم جميع اللبنانيين ومنهم القيمين على متحف نابو، أقول الحقيقة الساطعة كشمس سامراء الناصعة كثلج صنين تؤكد للقاصي والداني أن بيروت لا تغادر قلوب العراقيين وبغداد لا تغادر قلوب اللبنانيين، ونحن وأنتم واحد، لذلك إذ نضع بين أيديكم هذه الآثار، يمكننا القول هذه بضاعتنا ردت إلينا أو إليكم لا فرق والسلام”.
وسبق أن كشفت المديرية العامة اللبنانية للآثار في تقرير لها في العام 2018، عن “وجود قطع أخرى قد تكون ذات أصول عراقية ونتيجة لذلك قامت وزارة الثقافة اللبنانية بتكليف لجنة من المتخصّصين الفنيين بالكشف على هذه القطع المتنازع عليها”.
الجدير بالذكر أن لبنان قام بتسليم العراق عام 2012، 78 قطعة أثرية يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، كان قد تم ضبطها على الأراضي اللبنانية بعد تهريبها من العراق.