أكبر كتاب في العالم
أخبار لبناناقتصاد مال ومصارف

خبير الاقتصاد وقطاع الطاقة المهندس ادمون شماس: ما هي تداعيات تحول الاقتصاد الى اقتصاد نقدي على المصارف والمؤسسات المالية؟

كتب الخبير الإقتصادي المهندس إدمون شماس على صفحته عن تداعيات تداعيات تحول الاقتصاد الى اقتصاد نقدي على المصارف والمؤسسات المالية، حيث قال:
المصرف هو مؤسسة مالية تُّدار بأسلوب علمي تجاري وتتعامل في كافة وسائل الدفع النقدية والمالية، حيث تقبل الودائع، وتمنح القروض وتوظف الاستثمارات، وتؤدي مجموعة من الخدمات المرتبطة بها وفقاً لقواعد وأعراف وعادات مصرفية متداولة في الأسواق المصرفية؛ وذلك من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المحددة، وجني الأرباح.
تَركّز شغل المصارف التجارية في لبنان منذ 1992 على جني الأرباح الكبيرة جرّاء الفوائد التي كانت تحصل عليها من مصرف لبنان وسندات الدين وخصّصت النسبة الأكبر من القروض التي تمنحها لسوق العقارات. هذه الأرباح الطائلة أدّت الى نمو مجموع رأسمال المصارف من حوالي 800 مليون دولار سنة 1992 الى حوالي 25 مليار دولار في سنة 2019. كما أن الاستقرار وتثبيت سعر صرف الدولار مقابل الليرة على 1,500 منذ 1992 وإعطاء المصارف التجارية فوائد مرتفعة جدا على الودائع في الدولار والليرة تفوق عدة أضعاف الفوائد السائدة عالميا، وعدم وضع ضوابط ومعايير وشروط لتحويل ودائع الليرة الى دولار، كل ذلك أدى جذب أموال طائلة من اللبنانيين في الاغتراب وخاصة الذين يعملون في دول الخليج العربي وأفريقيا، حتى فاق إجمالي موجودات المصارف اللبنانية 220 مليار دولار.
الانهيار المالي والنقدي بدأت معالمه تظهر بطريقة مباشرة الى العلن بعد انتفاضة 17 تشرين 2019 وتخلف الدولة اللبنانية عن تسديد استحقاق سندات اليوروبوندز في آذار 2020 ومما زاد من حجم ووقع الانهيار على المودعين والشعب والاقتصاد عدم إقرار قانون الكابيتال كونترول في نوفمبر 2019 لمنع هروب الودائع، وتخلّف المصارف عن تسديد الودائع في الدولار والتوقف عن تنفيذ طلبات المودعين بالتحويلات المالية الى الخارج بإستثناء السياسيين واصحاب المصارف وكبار المساهمين والمدراء والمتنفذين، ما أدى الى هروب حوالي 20 مليار دولار الى الخارج، عدا عن سياسة دعم الاستيراد من قبل الدولة ومصرف لبنان ما أدى الى خسارة وهدر مصرف لبنان اكثر من حوالي 20 مليار دولار منذ تشرين الثاني 2019. ويجب ان لا ننسى تعاميم مصرف لبنان منذ نوفمبر 2019 التي ساهمت في هدر حقوق المودعين وتذويب الودائع باقتطاع حوالي 70% من السحوبات.
كل العوامل التي ذكرناها أعلاه أدت الى فقدان المواطن اللبناني الثقة بالقطاع المصرفي ومصرف لبنان وتحوله الى استخدام الأموال النقدية في الليرة والدولار لتسديد جميع التعاملات والعقود التجارية والاعتماد على تحويلات مصرفية من حسابات مصرفية في الخارج الى حسابات أخرى في الخارج دون المرور في القطاع المصرفي اللبناني. نتيجة كل ذلك، فقدت المصارف دورها الاستراتيجي في تفعيل وتحريك الاقتصاد اللبناني وتحولت إلى “أمانة صندوق” تعمل لصالح مصرف لبنان تسديد للمودعين الكوتا الشهرية للسحوبات التي تمثّل الجزء القليل من وديعته في الدولار والتي تسحب حسب تعميم مصرف لبنان 151 و 158 و 161.
قبل الحديث عن إصلاح القطاع المصرفي، يجب أولاً أن يقتنع المودعون أنّ أموالهم التي أودعوها لدى المصارف لن تعود إليهم في المدى المنظور. ثانياً، على أصحاب المصارف والمُساهمين والموظفين في القطاع تقبّل أنّهم أمام 5 سنوات، أقلّه، صعبة وخالية من أيّ ربحية. هذا النموذج الذي كان سائدا منذ 1992 حتى 2019 انتهى ولن يعود إلى سابق عهده. أمور عديدة تبدّلت منذ 17 تشرين 2019، وقبل كلّ شيء فقدت المصارف اللبنانية إحدى «قيمها» الأساسية: الثقة. إنّ «الفترة بين هيكلة القطاع المصرفي وإعادة تفعيل عمله ستكون طويلة نسبياً، ولذلك علاقة أيضاً بأنّ وضع الاقتصاد صعب ولن يكون هناك طلب كبير على القروض الشخصية أو الاستثمارية». ولكن، بعد إطلاق عجلة الاقتصاد سيعود الطلب على المصارف بسبب عودة الناس لشراء المنازل وطلب القروض التجارية، ولكن كل ذلك يتوقف على:
١) حتّى عندما نُصلح القطاع المصرفي، سنظّل في ورطة عميقة لأنّ المشكلة مُتجذّرة في صلب الاقتصاد، الذي لم تُعالَج اضطراباته الممتدّة منذ عقود فكان السبب في أزمة الركود الطويل. لذلك يجب ان تُقدم الدولة متمثلة بالحكومة والمجلس النيابي على وضع خطة اقتصادية اصلاحية متكاملة واضحة المعالم وخارطة طريق للتعافي تحظى بموافقة صندوق النقد الدولي، تضمن اعادة أموال المودعين وتسديد القروض والسندات القديمة كسندات اليوروبوندز بعد شطب قسم كبير منها والقروض الجديدة.
٢) اما في موضوع تحديد الخسائر وطريقة توزيعها فيجب تحميل الدولة اللبنانية ومصرف لبنان 70% من معظم الخسائر وتحميل المصارف التجارية حوالي 30%. تقدر خسائر مصرف لبنان بحوالي 80 مليار دولار وهو في حالة تعثّر لأن رأسماله تآكل وموجوداته في الدولار هي حوالي 10 مليار أحتياطي إلزامي يعود للمودعين، بينما قيمة الذهب حوالي 18 مليار دولار ولا يمكن ان تغطي خسائر مصرف لبنان.
٣) إجراء تدقيق مالي جنائي لمصرف لبنان وجميع المصارف العاملة في لبنان من اجل تحديد الوضع المالي والنقدي الحقيقي لكل مصرف ومن ثم وضع خطة تعافي لمصرف لبنان ولكل مصرف.
المصارف التجارية التي اعتادت على الربح السريع الناتج عن الفوائد المرتفعة من الدولة اللبنانية دون مجهود كبير ستمتنع عن ضخ اموال جديدة بالدولار الفريش موجودة لدى اصحاب المصارف وكبار المساهمين في الخارج لأن فرص النجاح والارباح الكبيرة ذهبت الى غير رجعة وخاصة ان قسم كبير من هذه الاموال الجديدة سيذهب لتسديد قسم من الودائع القديمة في الدولار .
اذن نحن بحاجة إلى إصلاح القطاع المصرفي واستعادة الثقة بالمصارف التجارية وتشجيع انشاء ودخول مصارف استثمارية تُحاكي التطور العالمي وتستثمر في مشاريع تُعطي عائدات على المدَيين المتوسط والطويل.
إصلاح القطاع المصرفي
تقدر خسائر المصرفي بمبلغ يتراوح بين 20 و 30 مليار دولار نتيجة تعثر الدولة اللبنانية عن تسديد سندات “يوروبوندز” بالدولار، وإمكان شطب الدولة حوالي 80 في المئة من قيمة السندات وتقدر هذه الخسائر بحوالي 8 الى 10 مليارات دولار. ويضاف إليها خسائر تقدر بحوالي 15 مليار دولار نتيجة القروض المتعثرة التي أعطتها المصارف الى القطاع الخاص من مؤسسات وأفراد. كل ذلك يشير الى أن المصارف المصارف اللبنانية خسرت كامل رأس مالها واصبحت في وضع متعثر وإفلاس غير معلن، ما يتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي بالكامل من اجل استعادة الثقة وهذا يتطلب اجرءات وتدابير مالية ونقدية جذرية تبدأ بإعادة تكوين رأس مال المصارف من خلال ضخ حوالي 20 مليار دولار فريش وإجراء عمليات دمج بين المصارف, والعمل على تشجيع دخول مصارف عالمية أجنبية الى السوق اللبنانية مباشرة من خلال افتتاح فروع لها و/أو كشريك استراتيجي مع بعض المصارف اللبنانية وضخ أموال في الدولار الفريش لتأمين السيولة للمصارف واعادة الاعتبار والمكانة والثقة إلى القطاع المصرفي واستعادة المصارف اللبنانية دورها الريادي في دعم وتنشيط الاقتصاد لاستعادة حيويته وتأمين النمو الاقتصادي المستدام.
استطاعت بعض المصارف اللبنانية التي تتمتع بعلاقات خارجية أن تستمر في زيادة رأس مالها عبر مستثمرين أجانب. وتمكن بعضها من الالتزام بزيادة رأس مالها انسجاماً مع تعاميم مصرف لبنان، وحقّقت نحو 2 ملياري دولار حتى نهاية 2019. وكان الاستحقاق الثاني في مطلع تموز 2020، لكن ذلك لا يعني أن كل المصارف لا تزال في مأمن من التصفية أو الاندماج، فالطرحان واردان بالنسبة إلى المصارف التي لم تلتزم حتى اليوم بزيادة رأس مالها. لكن زيادة رأس المال الذي نفذته المصارف حسب تعميم مصرف لبنان ليس كافيا لانتشال القطاع المصرفي من التعثر والافلاس وبحاجة الى ضخ اكثر من 15 مليار دولار جديدة.
إصلاح القطاع المصرفي يحصل عبر تقسيم المصارف اللبنانية إلى ثلاث فئات:
1. الفئة الأولى: المصارف الجيدة التي لا يقل عددها عن 7 وقد تصل إلى 10. فالمصرف الذي يثبت قدرته على زيادة رأس ماله يجب الإبقاء عليه ودعمه.
2. الفئة الثانية: المصارف المتعثرة حتى في شكل نسبي التي يجب دمجها لخلق كيانات مصرفية تملك قدرات أكبر من تلك المترنّحة، أو أن تستحوذ عليها المصارف من الفئة الأولى أي الجيدة. وتشكل مصارف هذه الفئة الغالبية الساحقة أي حوالى 35، في حين تبقى العوائق الأهم أمام الدمج أن غالبيتها مؤسسات عائلية.
3. الفئة الثالثة: المصارف السيئة التي يستبعد أن يكون بينها مصارف من الفئة ألف، فهي صغيرة ولم تستطع تحقيق التزاماتها تجاه مصرف لبنان وزيادة رأس مالها بسبب ضعف علاقاتها خارجياً. ولا مفرّ من تصفية مصارف ودمج أخرى، مع تأكيد أن التصفية ستحفظ حكماً حق المودع.
لذلك نقترح أن يكون رأس مال أي مصرف جديد أو أي عملية دمج بين المصارف، ملياري دولار فريش (fresh) كحد أدنى مدفوعة بالكامل ومودعة في مصرف أجنبي تحت وصاية مصرف لبنان، مع منع التصرف إلا بنسبة 50 في المئة من رأس المال، على أن يبقى النصف الآخر مجمداً كضمان للمودعين لمدة 10 سنوات على ان تخفض الى 25% حتى تصفية البنك أو بيعه أو دمجه بموافقة مصرف لبنان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »