أكبر كتاب في العالم
المقالة الأسبوعيةخاص ليبا بيديافادي رياض سعد

هل نحن أمام جمهورية ثالثة تبني لبنان الجديد الذي يحلم به شبابه؟؟ ام نقع بفخ الطائفية و تكون جمهورية الدويلات؟ “الوقت سوف يحدد إلى أي جمهورية متجهون.”

استبداد الطبقة السياسية قلب موازين الأخلاق، فجعل من الفضائل رذائل، ومن الرذائل فضائل، وزال العدل وانهارت العمارة وتوقف الإنتاج فافتقر الناس وبدأت سلسلة التساقط. وعمّ الفساد في الدولة، وفقد الناس ثقتهم بالقضاء وازدادت حالة الفوضى، والفوضى هي أولى علامات الإصلاح في الدولة.

لقد وصل لبنان الى القعر نتيجة الأزمات المتلاحقة التي أدّت الى الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي، وأصبح أمام مرحلة مفصليّة من تاريخه،  فمنذ نشأته  لم يكن  بمنأى عن الأحداث السياسية الخارجية، وصراعات الإقليم ولعبة الأمم، بالاضافة إلى أنّ تركيبة لبنان الطائفية ونظامه السياسي يجعلان منه كياناً هشّاً وعرضة للاهتزازات والأزمات البنيوية، بسبب فقدانه مقوّمات المناعة الذاتية، مما جعله في قلب الصراعات، لا سيما بوجود الكيان الإسرائيلي على حدوده الجنوبية. وكانت ولا زالت هوية لبنان ودوره في المنطقة محور الصراع، والاقتتال الداخلي اللبناني.

وأهم إشكاليات لبنان تكمن في مندرجات دستور 1943 وهي أنّ لبنان ذو طابع عربي، وكانت البذرة الأولى التي مهّدت البيئة لصراعات داخلية عميقة وصلت في مداها إلى حرب أهلية، أنتجت اتفاق الطائف الذي أكّد على نهائية الكيان اللبناني وعروبته، وحمل معه العديد من الإصلاحات التي تؤسّس لبناء نظام سياسي متين يعالج سلبيات السابق. ولكنّ هذه الإصلاحات لم تُطبّق في معظمها حيث تكوّنت منظومة حاكمة داخل الدولة اللبنانية شكّلت الدولة العميقة التي تحالفت في ما بينها لاستغلال الموارد العامة، والتي ابتدعت مفاهيم وتطبيقات سياسية خارج نطاق المألوف في علم السياسة تدور حول الديمقراطية التوافقية مرةَ بحجّة الميثاقية وأخرى الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي. وهذه البدع السياسية كرّست التحاصص في السلطة والإدارات العامة، والتنازع على المالية العامة مستخدمة الخطاب المذهبيّ والطائفي أداة لتحقيق كلّ فريق سياسيّ مطامحه وأطماعه، ولشدّ العصب عند الاستحقاقات الدستورية، فأصبحنا أمام كيانات مذهبية وطائفية داخل الكيان اللبناني.

وهذه التناقضات الداخلية ارتدّت أزمات داخلية عبر انقسام اللبنانيين ضمن لعبة المحاور الأممية والإقليمية، ولبنان منذ تأسيسه دولة ترتكز على الطائفية السياسية، وقد مر بعهود مختلفة، من الدرزية السياسية، المارونية السياسية إلى السنية السياسية والآن هو بمرحلة الشيعية السياسية، فكان لكل طائفة مرحلة ذهبية والسيطرة على مكامن السلطة وعلى قراراتها وسياساتها، حيث الشعب اللبناني جرب كل منها وعلم مدى عقباها، وفي كل مرحلة من المراحل كان لها إيجابياتها وسلبياتها ولكن السلبية المشتركة هي تعزيز مزرعة الطائفية السياسية، حيث لكل مرحلة شهداءها وهم شهداء الطائفية السياسية.

في التاريخ الحديث للبنان حصل إتفاقان هما الطائف والدوحة، إتفاق الطائف نقل لبنان من المارونية السياسية إلى السنية السياسية برعاية سورية التي كانت ضابطة الإيقاع في تلك المرحلة، حيث نص الإتفاق على أن الاقتصاد والمال بيد الشهيد رفيق الحريري المقرب من المملكة العربية السعودية والأمن والخارجية بيد المقربين من النظام في سوريا.

بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 عانى لبنان صراعات عنوانها “من يسيطر” بعد خروج ضابط الإيقاع، حتى حصل اتفاق الدوحة عام 2008 بعد أحداث 7 أيار، حيث نزل إلى الشارع حزب الله وحلفاءه جراء قرار وزاري يتعلق بأمنه الاستراتيجي. وهذا الإتفاق انتج ضابط إيقاع جديد وبدأ الوضع تصاعديا الانتقال من السنية السياسية إلى الشيعية السياسية بفعل فائض القوة لدى حزب الله وخصوصا الانتصارات المتنقلة من سوريا إلى العراق إلى اليمن.

ثم أتت التسوية الرئاسية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري عام 2016 حيث عززت هذا الدور وبدأ تصاعد القوى لدى حزب الله وحلفائه وكرس هذا النفوذ قانون انتخابات نيابية عام 2018 حيث أعطى أكثرية نيابية لأول مرة ساعدته في التحكم بالقرار المحلي من خلال حلفائه.

انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 أتت انقلابا على التسوية الرئاسية وفي الوقت عينه إنفجارا بفعل العقوبات الأميركية والحصار الاقتصادي العربي الحاصل مما أدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي في لبنان حيث أصبح اقتصاده في أدنى مستوياته منذ تأسيسه من بطالة وفقر ومشاكل اجتماعية تتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة.

 وهذه الانتفاضة أدت الى إلتهاب الشارع و”الكفر” بكافة السياسات المالية والاقتصادية على مدى سنوات، أدى بدوره إلى مزيد من التوتر الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي الأمني ولن يتوقف ذلك حتى حصول تسوية جديدة بطريقة من الإثنين إما إتفاق يشبه الطائف وإما يشبه الدوحة وفي كلتا الحالتين سوف يكون مسمار جديد في نعش إتفاق “الطائف” الذي لم يطبق ولو طبق لكان وضع لبنان أفضل بكثير.

وأي تعديل في الطائف يعني أننا متجهون إلى الجمهورية الثالثة حيث الأولى حصلت في تأسيس دولة لبنان الكبير والثانية من خلال إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية والثالثة سوف تكون من خلال الحرب الاقتصادية وتبعاتها. هذه الجمهورية سوف تبنى من اللحم الاقتصادي الحي وسواعد الشعب اللبناني المظلوم والفقير ولن يستكين حتى تحقيق إصلاحات إدارية ومالية ومحاكمة على الأقل بعض المسؤولين مما حصل من جريمة اقتصادية بحق الشعب اللبناني.

الفرق بين هذه الجمهورية وسابقاتها أنها ليست بين الأحزاب السياسية بل سوف تكون فعليا المعركة بين الشعب والسلطة حيث ممكن أن تتحالف معها بعض أطراف السلطة التي ليس لها إرتباط فعلي بالفساد، هذه الجمهورية قد تبني لبنان الجديد الذي يحلم به شبابه إن لم تقع بفخ الطائفية وإن وقعت بهذا الفخ سوف تكون جمهورية الدويلات والوقت سوف يحدد إلى أي جمهورية متجهون.

وما نشهده من أزمات عناوينها مختلفة من: استقالة وزير، إلى “قبع” قاضي إلى إقالة حاكم مصرف لبنان وغيرها، ما هي إلّا شكليّات ظاهريّة، فالمعركة في مضمونها هي معركة وجودية بين فكرين متناقضين بمشروعين متناحرين. ويشتدّ هذا التناحر في ظلّ مخاضّ التسويات التي انطلق قطارها، والتي ترسم خرائط جديدة للمنطقة ومعالمها المستقبلية. ومهما كانت النتيجة، فإنّ الثابت أنّ لبنان القديم لم يعد يصلح للحياة والاستمرار، وأنّ لبناناً جديداً سيتشكّل، هل يقتصر على بعض التعديلات في اتفاق الطائف؟ ام يتعداها الى مؤتمر تأسيسي؟

والسؤال هنا:  هل يكون عنوان لبنان الجديد “دولة المواطنة والمؤسسات”  أم لبنان الفدرالي وترسيخ دويلات الطوائف؟

ويبدو أن الجمهورية الثالثة قد اصبحت مطلباً وضرورة للشعب اللبناني الذي لم يعد يحتمل الضغوطات الاقتصادية والمالية واستعداده لمواجهة السنوات القادمة التي ستضع اللبنانيين تحت ضغوط معيشية كبيرة والهدف من ذلك هو الوصول الى الدولة التي يسعى اليها يتساوى فيها الجميع بالمواطنة والحقوق والواجبات وباعتماد الاقتصاد المننتج وليس الاقتصاد الريعي، وأمراً واقعاَ بالنسبة لدول القرار الاقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني والتي تسعى الى تأمين مصالحها من خلال تحقيق هيكلة الاقتصاد اللبناني ضمن إطار عمل إصلاحي يرسم مستقبل اقتصادي مستقر للبنان، بالتوازي مع عملية البدء بالاصلاحات البنيوية المطلوبة التي تعزّز الاقتصاد الوطني وتؤسّس لثبات العملة الوطنية الفعلي والمُستدام. لتحقق بذلك ضمانة لبدء استخراج النفط والغاز والاستفادة من هذه الثروة وتوزيع الأرباح فيما بينها وبين لبنان…

فهل سننتقل من ضفة الانهيار الى ضفة التعافي والازدهار؟؟ “الازدهار والرخاء والأمن تساهم في الحدّ من العصبية” و “العدل إذا دام عمّر” و “الظلم اذا دام دمّر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »